فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضًا}
من جملة ما حُكي بعد قوله إذا قالوا وقد قاله بعضٌ منهم مخاطبًا للباقين بقضية الصيغة فكأنهم رضُوا بذلك كما يروى أن القائلَ شمعونُ أو دان، والباقون كانوا راضين إلا من قال: لا تقتلوا الخ، فجعلوا كأنهم القائلون وأُدرجوا تحت القولِ المسندِ إلى الجميع أو قاله كلُّ واحدٍ منهم مخاطبًا للبقية وهو أدلُّ على مسارعتهم إلى ذلك القولِ. وتنكيرُ أرضًا وإخلاؤها من الوصف للإبهام أي أرضًا منكورةً مجهولة بعيدةً من العُمران ولذلك نصبت نصبَ الظروفِ المُبهمة: {يَخْلُ} بالجزم جوابٌ للأمر أي يخلُصْ: {لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} فيُقبل عليكم بكلّيته ولا يلتفتْ عنكم إلى غيركم ولا يساهمكم في محبته أحدٌ فذكرُ الوجه لتصوير معنى إقبالِه عليهم: {وَتَكُونُواْ} بالجزم عطفًا على يخْلُ أو بالنصب على إضمار أنْ أو الواو بمعنى مع مثل قوله: {وَتَكْتُمُواْ الحق} وإيثارُ الخطابِ في لكم وما بعده للمبالغة في حملهم على القبول فإن اعتناءَ المرءِ بشأن نفسِه واهتمامَه بتحصيل منافعِه أتمُّ وأكمل: {مِن بَعْدِهِ} من بعد يوسفَ أي من بعد الفراغِ من أمره أو طرحه: {قَوْمًا صالحين} تائبين إلى الله تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بإصلاح ما بينكم وبينه بعذر تمهّدونه أو صالحين في أمور دنياكم بانتظامها بعده بخلُوّ وجه أبيكم: {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} هو يهوذا وكان أحسنَهم فيه رأيًا وهو الذي قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} الخ، وقيل: روبيل وهو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال من سأل وقال: اتفقوا على ما عُرض عليهم من خصلتي الضّيْع أم خالفهم في ذلك أحدٌ فقيل: قال قائل منهم: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} أظهره في مقام الإضمار استجلابًا لشفقتهم عليه أو استعظامًا لقتله وهو هو، فإنه يروى أنه قال لهم: القتلُ عظيمٌ ولم يصرّح بنهيهم عن الخَصلة الأخرى وأحاله على أولوية ما عرضه عليهم بقوله: {وَأَلْقُوهُ في غَيَابَةِ الجب} أي في قعره وغوره. سُمِّي بها لغَيبته عن عين الناظرِ، والجبّ البئرُ التي لم تُطْوَ بعدُ لأنها أرضٌ جُبّت جبًا من غير أن يُزاد على ذلك شيءٌ، وقرأ نافعٌ {في غيابات الجب} في الموضعين كأن لتلك الجبّ غياباتٍ أو أراد بالجب الجنسَ أي في بعض غيابات الجبِّ وقرئ {غيابات} و{غيبة}: {يَلْتَقِطْهُ} يأخذْه على وجه الصيانة عن الضياع والتلف فإن الالتقاطَ أخذُ شيءٍ مشرف على الضياع: {بَعْضُ السيارة} أي بعض طائفةٍ تسير في الأرض واللام في السيارة كما في الجب وما فيهما وفي البعض من الإبهام لتحقيق ما يتوخاه من ترويج كلامِه بموافقته لغرضهم الذي هو تنائي يوسفَ عنهم بحيث لا يدرى أثرُه ولا يروى خبرُه وقرئ {تلتقطْه} على التأنيث لأن بعضَ السيارة سيارةٌ كقوله:
كما شرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدمِ

ومنه قُطعت بعضُ أصابعه: {إِن كُنتُمْ فاعلين} بمشورتي، لم يبُتَّ القول عليهم بل إنما عرض عليهم ذلك تألفًا لقلبهم وتوجيهًا لهم إلى رأيه وحذرًا من نسبتهم له إلى التحكم والافتيات، أو إن كنتم فاعلين ما أزمعتم عليه من إزالته من عند أبيه لا محالة. اهـ.

.قال الألوسي:

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا}
الظاهر أن هذا من جملة ما حكى بعد قوله سبحانه: {إِذْ قَالُواْ} [يوسف: 8] وقد قاله بعض منهم مخاطبًا للباقين وكانوا راضين بذلك إلا من قال: {لاَ تَقْتُلُواْ} [يوسف: 10] الخ، ويحتمل أنه قاله كل منهم مخاطبًا للبقية، والاستثناء هو الاستثناء، وزعم بعضهم أن القائل رجل غيرهم شاوروه في ذلك وهو خلاف الظاهر ولا ثبت له، والظاهر أن القائل خيرهم بين الأمرين القتل والطرح.
وجوز أن يكون المراد قال بعض: {اقتلوا يُوسُفَ} وبعض: {اطرحوه} والطرح رمي الشيء وإلقاؤه، ويقال: طرحت الشيء أبعدته، ومنه قول عروة بن الورد:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ** من المال يطرح نفسه كل مطرح

ونصب: {أَرْضًا} على إسقاط حرف الجر كما ذهب إليه الحوفي وابن عطية أي ألقوه في أرض بعيدة عن الأرض التي هو فيها، وقيل: نصب على أنه مفعول ثان لاطرحوه لتضمينه معنى أنزلوه فهو كقوله تعالى: {أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا} [المؤمنون: 29]، وقيل: منصوب على الظرفية، ورده ابن عطية وغيره بأن ما ينتصب على الظرفية المكانية لا يكون إلا مبهمًا وحيث كان المراد أرضًا بعيدة عن أرضه لم يكن هناك إبهام، ودفع بما لا يخلو عن نظر، وحاصل المعنى اقتلوه أو غربوه فإن التغريب كالقتل في حصول المقصود مع السلامة من إثمه، ولعمري لقد ذكروا أمرين مرين فإن الغربة كربة أية كربة؛ ولله تعالى در من قال:
حسنوا القول وقالوا غربة ** إنما الغربة للاحرار ذبح

{يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} بالجزم جواب الأمر، والوجه الجارحة المعروفة، وفي الكلام كناية تلويحية عن خلوص المحبة، ومن هنا قيل: أي يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم، والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها وينازعهم إياها، وقد فسر الوجه بالذات والكناية بحالها خلا أن الانتقال إلى المقصود بمرتبتين: على الأول وبمرتبة على هذا، وقيل: الوجه بمعنى الذات، وفي الكلام كناية عن التوجه والتقيد بنظم أحوالهم وتدبير أمورهم لأن خلوه لهم يدل على فراغه عن شغل يوسف عليه السلام فيشتغل بهم وينظم أمورهم، ولعل الوجه الأوجه هو الأول: {وَتَكُونُواْ} بالجزم عطفًا على جواب الأمر.
وبالنصب بعد الواو باضمار أن أي يجتمع لكم خلو وجهه والكون {من بَعْده} أي بعد يوسف على معنى بعد الفراغ من أمره أو من بعد قتله أو طرحه، فالضمير إما ليوسف أو لأحد المصدرين المفهومين من الفعلين.
أي بعد يوسف على معنى بعد الفراغ من أمره أو من بعد قتله أو طرحه، فالضمير إما ليوسف أو لأحد المصدرين المفهومين من الفعلين.
{قَوْمًا صالحين} بالتوبة والتنصل إلى الله تعالى عما جئتم به من الذنب كما روي عن الكلبي وإليه ذهب الجمهور، فالمراد بالصلاح الصلاح الديني بينهم وبين الله تعالى، ويحتمل أن المراد ذلك لكن بينهم وبين أبيهم بالعذر وهو وإن كان مخالفًا للدين لكونه كذبًا لكنه موافق له من جهة أنهم يرجون عفو أبيهم وصفحه به ليخلصوا من العقوق على ما قيل، ويحتمل أن يراد الصلاح الدنيوي أن صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم، وإيثار الخطاب في: {لَكُمْ} وما بعده للمبالغة في حملهم على القبول فإن اعتنارء المرء بشأن نفسه واهتمامه بتحصيل منافعه أتم وأكمل.
{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} هو وكان رأيه فيه أهون شرًا من رأى غيره وهو القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} [يوسف: 80] الخ ما قاله السدى.
وقال قتادة وابن إسحاق: هو روبيل، وعن مجاهد أنه شمعون، وقيل: دان، وقال بعضهم: إن أحد هذين هو القائل: {اقتلوا يُوسُفَ} الخ، وأما القائل: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} [يوسف: 9] فغيره، ولعل الأصح أنه يهوذا.
قيل: وإنما لم يذكر أحد منهم باسمه سترًا على المسيءوكل منهم لم يخل عن الإساءة وإن تفاوتت مراتبها، والقول بأنه على هذا لا ينبغي لأحد أن يعين أحدًا منهم باسمه تأسيًا بالكتاب ليس بشيء لأن ذلك مقام تفسير وهو فيه أمر مطلوب، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا كأن سائلًا سأل اتفقوا على ما عرض عليهم من خصلتي الصنيع أم خالفهم في ذلك أحد؟ فقيل: قال قائل منهم: {لاَ تَقْتُلُواْ} الخ، والاتيان بيوسف دون ضميره لاستجلاب شفقتهم عليه واستعظام قتله وهو هو مانه يروى أنه قال لهم: القتل عظيم ولم يصرح بنهيهم عن الخصلة الأخرى، وأحاله على أولوية ما عرضه عليهم بقوله: {وَأَلْقُوهُ في غَيَابَةِ الجب} أي في قعره وغوره سمي به لغيبته عن عين الناظر، ومنه قيل للقبر: غيابة، قال المنخل السعدي:
إذا أنا يومًا غيبتني (غيابتي) ** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل

وقال الهروي: الغيابة في الجب شبه كهف أو طاق في البئر فوق الماء يغيب ما فيه عن العيون، والجب الركية التي لم تطو فإذا طويت فهي بئر قال الأعمش:
لئن كنت في جب ثمانين قامة ** ورقيت أسباب السماء بسلم

ويجمع على جبب وجباب وأجباب، وسمي جبًا لأنه جب من الأرض أي قطع، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى الكلام فيتأنيثه وتذكيره.
وقرى نافع في غيابات في الموضعين كأن لتلك الجب غيابات، ففيه إشارة إلى سعتها، أو أراد بالجب الجنس أي في بعض غيابات الجب، وقرأ ابن هرمز {غيابات} بتشديد الياء التحتية وهو صيغة مبالغة، ووزنه على ما نقل صاحب اللوامح يجوز أن يكون فعالات كحمامات، ويجوز أن يكون فيعالات كشيطانات في جمع شيطانة، وقرأ الحسن {غيبة} بفتحات على أنه في الأصل مصدر كالغلبة، ويحتمل أن يكون جمع غائب كصانع وصنعة، وفي حرف أبيّ رضي الله تعالى عنه غيبة بسكون الياء التحتية على أنه مصدر أريد به الغائب.
{يَلْتَقِطْهُ} أي يأخذه على وجه الصيانة عن الضياع والتلف فان الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع كذا قيل، وفي مجمع البيان هو أن يجد الشيء ويأخذه من غير أن يحسبه، ومنه قوله:
ومنهل وردته التقاطًا

{بَعْضُ السيارة} أي بعض جماعة تسير في الأرض وأل في السيارة كما في الجب وما فيهما، وفي البعض من الابهام لتحقيق ما يتوخاه من ترويج كلامه بموافقته لغرضهم الذي هو تنائى يوسف عليه السلام عنهم بحيث لا يدري أثره ولا يروى خبره، وقرأ الحسن {تلتقطه} على التأنيث باعتبار المعنى كما في قوله:
إذا بعض السنين (تعرفتنا) ** كفى الأيتام فقد أبى اليتيم

وجاء قطعت بعض أصابعه وجعلوا هذا من باب اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث كقوله:
كما شرقت صدر القناة من الدم

{إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم عازمين مصرين على أن تفعلوا به ما يفرق بينه وبين أبيه أو إن كنتم فاعلين بمشورتي ورأيي فألقوه الخ، ولم يبت القول لهم بل عرض عليهم ذلك تأليفًا لقلوبهم وتوجيهًا لهم إلى رأيه وحذرًا من سوء ظنهم به؛ ولما كان هذا مظنة لسؤال سائل يقول: فما فعلوا بعد ذلك هل قبلوا رأيه أم لا؟ فأجيب على سبيل الاستئناف على وجه أدرج في تضاعيفه قبولهم له بما شيجيى إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} [يوسف: 15]. اهـ.

.قال القاسمي:

{اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا}
من مقول قولهم المحكي قبل، وإنما قالوا هذا لأن خبر المنام بلغهم، ويروى أنه قصه عليهم، فتشاوروا في كيده، وقالوا ذلك، وقالوا: لنرى بعد ما يكون من أحلامه، سخرية واستهزاء. وتنكير {أرضًا} وإخلاؤها من الوصف للإبهام، أي: في أرض مجهولة، لا يعرفها الأب، ولا يمكن ليوسف أن يعرف طريق الوصول إليه.
وقوله: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} جواب الأمر، كناية عن خلوص محبته لهم؛ لأنه بدل على إقباله عليهم بكليته، وعلى فراغه عن الشغل بيوسف، فيشتغل بهم: {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد الفراغ من قتله أو طرحه: {قَوْمًا صَالِحِينَ} أي: تائبين إلى الله عما جنيتم، فيكون صلاحكم فداء عن معصية قتله أو طرحه، أو تصلح دنياكم، وتنتظم أموركم بعده بخلو وجه أبيكم.
تنبيهات:
الأول: قال ابن إسحاق: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير، الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، والده؛ ليفرقوا بينه وبين ابنه على صغر سنه، وحاجته إلى لطف والده، وسكونه إليه. يغفر الله لهم.
الثاني: قال ابن كثير: اعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر السياق يدل على خلاف ذلك. ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل. ولم يذكروا سوى قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: من الآية 136]، وهذا فيه احتمال؛ لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب. يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل، فذكرهم إجمالًا؛ لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف. ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم. والله أعلم.
{قَالَ قَائِلٌ مَّنْهُمْ} أي: صريحًا ورضي به الباقون: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} أي: لأن القتل من الكبائر التي يخاف معها سد باب الصلاح. وإنما أظهره في مكان الإضمار استجلابًا لشفقتهم عليه، أو استعظامًا لقتله: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} أي: في غوره. و{الجب}: البئر التي لا حجارة فيها: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: بعض الأقوام الذي يسيرون في الأرض، فيتملكه، فلا يمكنه الرجوع إلى أبيه، فيحصل مطلوبكم من غير ارتكاب كبيرة يخاف معها سد باب الصلاح.
{إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} أي: عازمين مصرين على أن تفرقوا بينه وبين أبيه. وقد روي أن القائل هو أخوهم الأكبر، بكر يعقوب (رَؤُوبين). اهـ.